عدنان بن عبد الله القطان

6 صفر 1444 هـ – 2 سبتمبر 2022 م

———————————————————————————–

الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره وهو بكل لسان محمود، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوَى الله تعالى، فالتقوَى هي أكرَمُ ما أسرَرتُم، وأحسَنُ ما أظهَرتُم، وأفضلُ ما ادَّخَرتُم، الواعِظُون بها كثير، والعامِلُون بها قليل، لا يقبَلُ الله غيرَها، ولا يرحَمُ إلا أهلَها، ولا يُثيبُ إلا عليها؛ جعلني الله وإياكم من أهلها، فتقوَى الله أصلُ السلامة، وقاعِدةُ الثَّبات، وجِماعُ كلِّ خيرٍ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

معاشر المسلمين: إن من الصفات الحميدة، التي تبعث على الرضا والأمل، وتُدخِل الفرحَ والسرورَ على القلب؛ لِمَا تشتمل عليه من حُسْن ظَنٍّ بالله تعالى، وكمال توكُّل عليه، هي صفة التفاؤل والاستبشار، وتوقُّع الخير في المستقبل، مهما اشتدت الأزماتُ، وطالت ساعاتُ الشدائد والكربات، فترى المتفائل راضياً عن الله، مؤمناً بقضائه وقدره، يُحسن الظنَّ بتدبيره وحكمه، وأنه سبحانه سيَجزيه على بلائه وصبره، يقول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) عباد الله: إن مَنْ ينظر في سيرة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام يجد التفاؤل ظاهراً في سِيَرهم، بهداية قومهم، أو نصر ربهم، أو انكشاف كرباتهم وأحزانهم، فهذا نوح عليه السلام لَبِثَ في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، لم ييأس فيها من دعوتهم واستجابتهم، ويعقوب عليه السلام بعد تطاوُل السنين والأعوام، ما زال يأمل في رؤية ابنه يوسف فيقول: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وأمَّا إمام الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان أجملَ الناس صبراً، وأحسنهم تفاؤلاً وأمَلاً، فقد كان  متفائلاً مسروراً في كل أموره وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه، في جوعه وعطشه، وفي صحاح الأخبار دليل صدق على هذا، إذ كان صلى الله عليه وسلم في أصعب الظروف والأحوال يبشر أصحابه بالفتح والنصر على الأعداء، ويوم مهاجره إلى المدينة فراراً بدينه، وبحثاً عن موطئ قدم لدعوته نجده يبشر عدواً يطارده يريد قتله بكنز سيناله، وسوار مَلِكٍ سيلبسه، وأعظم من ذلك دين حق سيعتنقه، وينعم به ويسعد في رحابه.  نعم عباد الله إنه التفاؤل، ذلك السلوك الذي يصنع به الرجال مجدهم، ويرفعون به رؤوسهم، فهو نور وقت شدة الظلمات، ومخرج وقت اشتداد الأزمات، ومتنفس وقت ضيق الكربات، وفيه تُحل المشكلات، وتُفك المعضلات، وهذا ما حصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تفاءل وتعلق برب الأرض والسماوات؛ فجعل الله له من كل المكائد، والشرور، والكُرب فرجاً ،ومخرجاً. وحين بُعِثَ صلى الله عليه وسلم بنور الإسلام آذاه أقربُ الناس إليه، وأخرَجوه من أحب البلاد إليه، وكذَّبوه وحاربوه، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم واثقاً بنصر ربه، متفائلاً مستبشراً ببلوغ دينه، ما بلغ الليلُ والنهارُ، ففي السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا عاد من الطائف أقام بمنطقة نخلةَ أياماً، فقال له زيد بن حارثة: كيف تَدْخُل عليهم وهم أخرجوكَ؟ -يعني قريشاً- فقال: يا زيد، إن الله جاعلٌ لِمَا ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه)، فكان صلى الله عليه وسلم يبعَث في قلوب أصحابه معاني التفاؤل والأمل، وحُسْن الظن بالله عز وجل، وصِدْق التوكُّل عليه، وكمال الرجاء فيه. وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، حين رآه متردداً في الدخول في الإسلام، قال له: (يا عديُّ، هل رأيتَ الحِيرةَ؟ (وهي إحدى مدن العراق الجنوبية)  قلتُ: لم أرها وقد أنبئتُ عنها، قال: فإن طالت بك حياةٌ لَتَرَيَنَّ الظعينةَ، (وهي المرأة في الهودج) ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلا الله، ولئن طالَتْ بكَ حياةٌ لتُفتحن كنوزُ كسرى، قلتُ: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لتريَنَّ الرجلَ يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب مَنْ يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، قال عدي رضي الله عنه وأرضاه: فرأيتُ الظعينةَ ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا اللهَ، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياةٌ (يخاطب الصحابة) لَتَرَوُنَّ ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم)

أيها المؤمنون والمؤمنات: إن التيمن والتفاؤل وتأميل الخير وصلاح الأمر من حُسْن الظن بالله تعالى، والثقة به جل وعلا، وهو دافع للعمل، بل ولإحسانه وإتقانه؛ فلذا غمَر التفاؤلُ حياةَ النبي صلى الله عليه وسلم، وربَّى عليه صحابتَه الكرامَ، ورسَّخ ذلك بقوله وفعله، فكان إذا سمع اسماً حسناً أو كلمة طيبة، أو مَرَّ بمكان طيِّب انشرح صدرُه، واستبشَر بما هو عازمٌ عليه تفاؤلاً وأملاً، وحُسْنَ ظنٍّ بالله تعالى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع: يا راشد، يا نجيح) وسمع صلى الله عليه وسلم كلمةً من رجل فأعجبته، فقال: (أخذنا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ) أي: تَفَاءَلْنَا من كلامك الحسن؛ تيمُّناً به، وفي سفر الهجرة لَمَّا قَدِمَ صلى الله عليه وسلم المدينةَ نزَل في علوها، تفاؤلاً بعلو دينه، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قلَب رداءَه بعد الخطبة؛ تفاؤلاً بتحوُّل حال الجدب إلى الخصب، ولَمَّا جاء سهيل بن عمرو (يوم أن كان على الشرك)؛ ليتفاوَض مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحديبية، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه متفائِلًا: (لقد سَهُلَ لكم من أمركم) فكان كما أمَّل؛ حيث كان مجيء سهيل سببَ خير للإسلام والمسلمين، بل كان صلى الله عليه وسلم يُغَيِّر الأسماء المنافية للتفاؤل، ففي الصحيح  أن ابنة لعمر رضي الله عنه كان يقال لها: (عاصية) فسمَّاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (جميلة)، وكانت المدينة النبوية تسمَّى في الجاهلية بيثرب، وهي كلمة ليست محمودة، فغيَّرها صلى الله عليه وسلم إلى (طابة) أو طيبة، فهي طيبة مباركة إلى يوم القيامة. وفي الصحيح عن سعيد ابن المسيب رحمه الله أن جدَّه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمُكَ؟ قال: حَزْنٌ، قال: أنتَ سَهْلٌ، قال: لا أُغَيِّر اسماً سَمَّانِيهِ أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة  فينا بعدُ، والحزونة غلظة وقساوة في الخُلُق، قال ابن تيمية رحمه الله: والفأل الذي يحبه صلى الله عليه وسلم هو أن يفعل أمراً أو يعزم عليه متوكِّلاً على الله، فيسمع الكلمة الحسنة التي تسرُّه؛ مثل أن يسمع: (يا نجيح، يا مفلح، يا سعيد، يا منصور) ونحو ذلك، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يتوقَّع الخير ويحبه ويعجبه التفاؤلُ حين يسمعه، ويكره قبيح الأسماء، ولا يتطيَّر به، ويحب حَسَن الأسماء ويتفاءل به، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طِيَرَةَ، ويُعجبني الفألُ الصالحُ)، والفأل الصالح الكلمة الحسنة، فكان صلى الله عليه وسلم يكره التطير والطيرة، وكل نظرة متشائمة، فإذا قال الرجل: هلَك الناسُ، فهو أَهْلَكُهُمْ) أي: هو أشدُّهم هلاكاً؛ بسبب يأسه وقنوطه وتشاؤمه، واحتقاره للناس وازدرائهم، والعُجْب بنفسه وتفضيلها عليهم… فاليأس والقنوط والتشاؤم صفات مقيتة، وسمات سيئة تُضعف الإيمانَ وتُغضب الرحمنَ، وتُورِث الحسرةَ والندامةَ، فمن أساء الظن بربه، ولم يتحرَّ الخير في قوله عُوقِبَ بسوء ظنه ولفظه، فإن البلاء غالباً موكَّل بالنطق، ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخَل على أعرابي يعوده قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخَل على مريض يعوده قال: لا بأس، طَهُورٌ إن شاء الله، فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله، قال الأعرابي: قلتَ: طهور، كَلَّا، بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تُزِيرُهُ القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنَعَمْ إِذَنْ، أي: لكَ ما أحببتَ ورغبتَ به من الموت، قال : فأصبح الأعرابيُّ ميتاً.

فيا عباد الله: ثِقُوا بربِّكم وتوكَّلُوا عليه، واجتهدوا واعملوا، وتفاءلوا بتوفيقه ونصره، وآمِنوا بقضائه وقَدَره، فمن توكَّل على ربه وأحسَن الظنَّ به وتفاءَل بمستقبل أمره، وسعى لتحقيق غايته سلَك طريق الفلَاح والنجاح، بقلب مطمئن بالإيمان، ونفس راضية عن الرحمن، فلا تزيده المحنُ إلا إشراقاً وتفاؤلاً، ورجاءً وتوكُّلاً.

وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ أَعْمَالَنَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْنَا مِن أَهْلِ اليَقِينِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّفَاؤُلِ، وَجَنِّبْنَا اليَأْسَ وَالتَّشَاؤُمَ وَالتَّوَاكُلَ يا ذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: صح في الحديث عَنِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم أنه  قَالَ : (لا عَدْوَى ولا طِيَرَة ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ) وقال: لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ، أو الكلمة الطيبة) والطيرة عباد الله هي التشاؤم والتعاسة والنكد والشقاء (بمرئي كرؤية طائر أو انسان) أو بمسموع (كأن يسمع كلمة من انسان فيتشاءم منها)   والعرب في الجاهلية كانوا إذا عزموا على أمر، أتوا بطائر  فأطلقوه، فإن راح الطائر جهة الشمال، تشاءموا، وتوقفوا عن الأمر، وإن راح الطائر جهة اليمين، تفاءلوا ومضوا فيه، فجاء الإسلام وأنكر ذلك وأبطله، فالتشاؤم ليس له أصل شرعي، ولا ينطبق على الحقيقة، وهو من فعل الشيطان، فلذلك لا ينبغي ولا يجوز للإنسان أن يتشاءم  لا من رقم معين، ولا من يوم، ولا من شهر، ولا من شخص، ولا من برج أو نجم، قال الله تعالى: (طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) ومعنى الآية أن الإنسان أخطاؤه وذنوبه ومعاصيه، هي التي تسبب له المتاعب وأن استقامته وإخلاصه، تسبب له البهجة والسعادة، فسعادتك منك، وشقاؤك منك، فلا علاقة لأحدٍ بذلك، أما أن تنسب هذا الشر والشؤم إلى فلان، أو هذا الشر والتعاسة إلى هذا الرقم المعين، أو إلى هذا اليوم أو هذا الشهر أو هذا البيع الذي لم ينعقد، تنسبه إلى فلان الذي دخل عليك، فهذا كله خرافة وتشاؤم لا معنى له، وهذا من ضعف الإيمان، وقلة التوكل على الله تعالى؛ لأن ما يصيب الإنسان من خير أو شر إنما يقع بإرادة الله تعالى، ولله حكمة في كل ما يقدره، وكل ما يصيب المؤمن فهو خير له كتبه عليه، قال تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم: عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك) قال النووي رحمه الله: (الطيرة شرك أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر، وإذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثراً في الفعل والإيجاد).

 روي أن الإمام عليًّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه عندما أرادَ المسيرَ لقتالِ الخوارِج، عرَضَ له مُنجِّمٌ، فقال له: يا أميرَ المُؤمنين: لا تُسافِر؛ فإن القمرَ في العقرَب، فإنك إن سافَرتَ والقمرُ في العقرَبِ -أي: في بُرجِ العقرَب- هُزِم أصحابُك. فقال عليٌّ رضي الله تعالى عنه: (بل نُسافِر ثقةً بالله، وتوكُّلاً على الله، وتكذيباً لك). فسافرَ، فبُورِك له في ذلك السفر، حتى قتلَ عامَّةَ الخوارِج، وكان ذلك من أعظم ما سُرَّ به رضي الله عنه.

عِبادَ اللهِ: إن الحياة قصيرة، فلا تقصروها بالهموم والأحزان، ولا تحملوا الأرض فوق رؤوسكم، وقد جعلها الله تحت أقدامكم، ولا تخشوا الظلام ولا تذرفوا له دموعاً، بل أوقدوا لتبديده أضواء وشموعاً، ولا تنغصوا عيش اليوم بالتفكير والخوف من المستقبل، إن الحياة هكذا خلقت، لا تصفو لأحد من الكدر، فلا مبرر للخوف منها والحذر، ولولا أنها دار ابتلاء واختبار لم تكن فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء الأخيار، واعلموا أن بسمة الحياة ولذتها من نصيب أرباب الأمل وأصحاب التفاؤل، ورب محنة تلد منحة، ورب نور يشع من كبد الظلام، وإن النصر مع الصبر، والفرج بعد الكرب، وإن مع العسر يسراً، فأبشروا وأملوا وتفاءلوا فما بعد دياجير الظلام إلا فلق الصبح المشرق.

فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا الظن بربكم وتفاءلوا، ولا تجعلوا لليأس والتشاؤم طريقاً إليكم فتهلكوا وتفشلوا، وتذكروا قول الله تعالى في الحديث القدسي:(أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْراً فَلَهُ، وإِنْ ظَنَّ شَرّاً فَلَهُ).

اللهم إنا نظن بك خيراً وغفراناً وعفواً وتوفيقاً ونصراً، وتيسيراً وسعادة ورزقاً، وشفاءً وحسن خاتمةً وعتقاً من النار، اللهم فهب لنا مزيداً من فضلك يا واسع الفضل والعطاء.

اللهم ارْأَفْ بعبادِكَ، وأنزِلْ عليهم رحمتَكَ ولُطْفَكَ، اللهم أَنْزِلْ على عبادكَ الرحمةَ واللطفَ والإحسانَ، وارفع عنهم كلَّ بلاء وفتنة ومحنة ووباء يا ربَّ العالمينَ.

اللهم أجعل يومنا خيراً من أمسنا، واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحفظنا بحفظك، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة. اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك فرحاً لكل مهموم، وتفريجاً لكل مكروب، وتحقيقًا لكل أمل، وشفاء لكل مريض، ورحمة لكل ميت، ومغفرة لكل مذنب، وهداية لكل عبد، ورزقاً لكل محتاج واستجابة لكل دعاء برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين واحفظ خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وأهل فلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، والمصلين فيه واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين

اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا، ودعاءنا، وأصلح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتب علينا، واغفر لنا ولوالدينا ولموتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

     

            خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين